سلسلة مقالات بعنوان
دلائل النبوية
المقال الأول بعنوان
بساطة حياة محمد (صلى الله عليه وسلم): دليل نبوّته
مقدم من
المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته
إذا أجرينا مقارنة بين حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) قَبلَ بعثته وَبَعدها سَنَستخلِص من كلِّ ذلك أنّه ليس من المعقولُ أنْ يُظنَّ أنّ محمداً كَانَ يدّعي النبوّة كَذِباً لينال بها متاع الدنيا والرفعة والمجد والسلطة.
قبل بعثتِه، لم يكن عند محمد (صلى الله عليه وسلم) همٌّ مالي. فكونه تاجراً كيِّساً ومشهوراً، جعله يحصل على دخل مُرضي ووافر. ولقد أصبح بعد بعثته أسوء حالاً مادياً ممّا كان عليه قبل البعثة، وذلك بسبب شغله بالنبوّة. لمزيد من التَوضيح في هذه الظروف، يليق هنا أنْ نَنْظرَ في هذه الآثار عن حياتِه:
فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ قَالَ قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ». (رواه مسلم).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صاحب النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:
«مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ». (رواه البخاري).
وعَنْ عَائِشَةَ زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَتْ:
«إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمٌ حَشْوُهُ لِيفٌ». (رواه الترمذي).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ
«مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً». (رواه البخاري).
لقد عاشَ محمد (صلى الله عليه وسلم) هذه الحياةَ الشظِفَ حتى الممات، بالرغم من أن بيت مال المسلمين كَان تحت تصرّفه. فقَبْلَ موته، كان الجزء الأعظم لشبهِ الجزيرة العربيةِ مسلماً، وكان المسلمون منتصرين بعد ثمانية عشْر عاماً مِنْ بِعْثتِه.
فهَلْ يمكن أنْ يكون محمد (صلى الله عليه وسلم) ادّعى النبوّة لينال بها المكانة والرفعة والسلطة؟
إنّ الرغبة في المجد والسلطة تظهر غالباً في الطعام الجيّدِ واللباس غير المألوفة، والقصور التذكارية، والحراسة الجسيمة، والسلطة لا تقبل المنازعة. فهَلْ هناك أمر واحد من هذه الأمور يكون قدْ انْطبق على محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ ها هي بعض مظاهر حياتِه التي قَدْ تُساعدُ على الإجابة عن هذا السؤالِ، فنقول:
على الرغم مِنْ مسؤوليتِه لكونه نبيّاً ومعلِّماً وسياسيّاً وقاضياً، كَانَ محمد (صلى الله عليه وسلم) يَحْلبُ شاته، ويُصلّحُ ملابسَه وأحذيتَه، وكان يُشارك في الأعْمالِ البَيْتِيِّة، ويَعود المرضى. وكذلك ساعد أصحابه وهم يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ. كَانتْ حياته نموذجاً مُدهِشاً للبساطةِ والتواضع.
كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) يُحبّونه ويَحْترمونه، وكانوا يثقون به إلى درجة مُدهِشة. ومع ذلك، كان يُذكِّرهم دائماً أَنَّه إنّما هو عبد فلا يُعبد، وأنّ الله وحده هو المستحقّ للعبادة. ذَكرَ صاحب النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنس (t) أنّهم كانوا يُحبّون النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أكثر من حبِّهم لأيّ واحد، ومع ذلك لم يكونوا يقومون له إذا قدم إليهم، وذلك أنّه كان يكره أنْ يقوم الناس له كما يفعله الآخرون لعظمائهم.
في حين لم يكن هناك أيّ آمال النجاحِ للإسلامِ وفي بداية عهد طويل وعسير وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يُعانون فيه التعذيب والمعاناة والاضطهاد، جاءه عرْضٌ مثير الاهتمام. ففيما رواه ابن هشام، أرسل زعماءُ قريش عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال له: "إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا ، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا…". ولقد طلبوا مِنْ محمد (صلى الله عليه وسلم) عوضاً عن كلِّ ذلك، أنْ يكفّ عن دَعوة الناسِ إلى الإسلامِ وإلى عبادة اللهِ وحده لا شريك له. أ ليس من شأن مثل هذاالعرض أن ِيَكُونَ مُغرياً لأيِّ رجل همّه طلب المنفعةَ الدنيويةَ؟ وهَلْ كان محمدٌ متردِّداً أمام هذا العرض؟ هَلْ رَفضَه إستراتيجيا في المفاوضة تَاركاً البابَ مفْتوحاً لعَرْضٍ أفضل؟ بل أجابهم بهذه الآيات القرآنية فَقرأ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ )حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(. (فصلتْ: 1-4). ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا حتّى انْتَهَى إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا عَلَيْهِ، أي الآية رقم: 38.
مرّة أخرى، وردّاً على دعوة عمِّه إيّاه ليكُفَّ عن دَعوة الناسِ إلى الإسلامِ، أجاب محمد (صلى الله عليه وسلم) بكلّ صراحة وإخلاص: «يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». (رواه ابن هشام وابن كثير في سيرتيهما).
في أثناء ثلاثة عشر عاماً، لم يَلْقَ محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه المعاناة والاضطهاد فحسب، بل إنّ المشركين حاولوا أَنْ يَقْتلوه عدّة مرات. فمرّة، حاولوا أنْ يوقعوا على رأسهِ صخرة كبيرة. ومرّة أخرى وضعوا السُمّ في طعامه. فماذا يمكن أَنْ يُبرِّر مثل هذه الحياةِ المليئة بالمعاناة والتَضحية حتى بعد أنْ أصبح منتصراً على أعْدائه؟ ماذا يمكن أَنْ يُوضح هذا التواضع عند محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا الكرم في أخلاقه؟ أليس بحق أنْ يُقال إنّ ذلك كان بعون من الله بدل من أنْ يُقال إنّه كان من عبقريّته؟ هَلْ هذه هي خاصية رجل أنانيٍّ أو مُتعطِّش للسلطة؟
دلائل النبوية
المقال الأول بعنوان
بساطة حياة محمد (صلى الله عليه وسلم): دليل نبوّته
مقدم من
المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته
إذا أجرينا مقارنة بين حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) قَبلَ بعثته وَبَعدها سَنَستخلِص من كلِّ ذلك أنّه ليس من المعقولُ أنْ يُظنَّ أنّ محمداً كَانَ يدّعي النبوّة كَذِباً لينال بها متاع الدنيا والرفعة والمجد والسلطة.
قبل بعثتِه، لم يكن عند محمد (صلى الله عليه وسلم) همٌّ مالي. فكونه تاجراً كيِّساً ومشهوراً، جعله يحصل على دخل مُرضي ووافر. ولقد أصبح بعد بعثته أسوء حالاً مادياً ممّا كان عليه قبل البعثة، وذلك بسبب شغله بالنبوّة. لمزيد من التَوضيح في هذه الظروف، يليق هنا أنْ نَنْظرَ في هذه الآثار عن حياتِه:
فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ قَالَ قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ». (رواه مسلم).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صاحب النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:
«مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ». (رواه البخاري).
وعَنْ عَائِشَةَ زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَتْ:
«إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمٌ حَشْوُهُ لِيفٌ». (رواه الترمذي).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ
«مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً». (رواه البخاري).
لقد عاشَ محمد (صلى الله عليه وسلم) هذه الحياةَ الشظِفَ حتى الممات، بالرغم من أن بيت مال المسلمين كَان تحت تصرّفه. فقَبْلَ موته، كان الجزء الأعظم لشبهِ الجزيرة العربيةِ مسلماً، وكان المسلمون منتصرين بعد ثمانية عشْر عاماً مِنْ بِعْثتِه.
فهَلْ يمكن أنْ يكون محمد (صلى الله عليه وسلم) ادّعى النبوّة لينال بها المكانة والرفعة والسلطة؟
إنّ الرغبة في المجد والسلطة تظهر غالباً في الطعام الجيّدِ واللباس غير المألوفة، والقصور التذكارية، والحراسة الجسيمة، والسلطة لا تقبل المنازعة. فهَلْ هناك أمر واحد من هذه الأمور يكون قدْ انْطبق على محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ ها هي بعض مظاهر حياتِه التي قَدْ تُساعدُ على الإجابة عن هذا السؤالِ، فنقول:
على الرغم مِنْ مسؤوليتِه لكونه نبيّاً ومعلِّماً وسياسيّاً وقاضياً، كَانَ محمد (صلى الله عليه وسلم) يَحْلبُ شاته، ويُصلّحُ ملابسَه وأحذيتَه، وكان يُشارك في الأعْمالِ البَيْتِيِّة، ويَعود المرضى. وكذلك ساعد أصحابه وهم يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ. كَانتْ حياته نموذجاً مُدهِشاً للبساطةِ والتواضع.
كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) يُحبّونه ويَحْترمونه، وكانوا يثقون به إلى درجة مُدهِشة. ومع ذلك، كان يُذكِّرهم دائماً أَنَّه إنّما هو عبد فلا يُعبد، وأنّ الله وحده هو المستحقّ للعبادة. ذَكرَ صاحب النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنس (t) أنّهم كانوا يُحبّون النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أكثر من حبِّهم لأيّ واحد، ومع ذلك لم يكونوا يقومون له إذا قدم إليهم، وذلك أنّه كان يكره أنْ يقوم الناس له كما يفعله الآخرون لعظمائهم.
في حين لم يكن هناك أيّ آمال النجاحِ للإسلامِ وفي بداية عهد طويل وعسير وكان محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يُعانون فيه التعذيب والمعاناة والاضطهاد، جاءه عرْضٌ مثير الاهتمام. ففيما رواه ابن هشام، أرسل زعماءُ قريش عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال له: "إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا ، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا…". ولقد طلبوا مِنْ محمد (صلى الله عليه وسلم) عوضاً عن كلِّ ذلك، أنْ يكفّ عن دَعوة الناسِ إلى الإسلامِ وإلى عبادة اللهِ وحده لا شريك له. أ ليس من شأن مثل هذاالعرض أن ِيَكُونَ مُغرياً لأيِّ رجل همّه طلب المنفعةَ الدنيويةَ؟ وهَلْ كان محمدٌ متردِّداً أمام هذا العرض؟ هَلْ رَفضَه إستراتيجيا في المفاوضة تَاركاً البابَ مفْتوحاً لعَرْضٍ أفضل؟ بل أجابهم بهذه الآيات القرآنية فَقرأ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ )حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(. (فصلتْ: 1-4). ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا حتّى انْتَهَى إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا عَلَيْهِ، أي الآية رقم: 38.
مرّة أخرى، وردّاً على دعوة عمِّه إيّاه ليكُفَّ عن دَعوة الناسِ إلى الإسلامِ، أجاب محمد (صلى الله عليه وسلم) بكلّ صراحة وإخلاص: «يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». (رواه ابن هشام وابن كثير في سيرتيهما).
في أثناء ثلاثة عشر عاماً، لم يَلْقَ محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه المعاناة والاضطهاد فحسب، بل إنّ المشركين حاولوا أَنْ يَقْتلوه عدّة مرات. فمرّة، حاولوا أنْ يوقعوا على رأسهِ صخرة كبيرة. ومرّة أخرى وضعوا السُمّ في طعامه. فماذا يمكن أَنْ يُبرِّر مثل هذه الحياةِ المليئة بالمعاناة والتَضحية حتى بعد أنْ أصبح منتصراً على أعْدائه؟ ماذا يمكن أَنْ يُوضح هذا التواضع عند محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا الكرم في أخلاقه؟ أليس بحق أنْ يُقال إنّ ذلك كان بعون من الله بدل من أنْ يُقال إنّه كان من عبقريّته؟ هَلْ هذه هي خاصية رجل أنانيٍّ أو مُتعطِّش للسلطة؟