بقلم/ على الدينارى

مازال مثلى إلى الآن كلما جلس أمام برنامج هادف مفيد مثل البرامج الصحية التي تثقف المريض وتمده بوعي كامل عن مرضه؛ تحسر كثيرًا على العمر الذي فات.. ولم تكن هذه الثقافة متوفرة هكذا إلى حد الحوار المباشر مع الطبيب.

رحم الله الذين عذبهم المرض ثم ماتوا ولم يعرف أحدهم شيئاً عن مرضه! لأن إعلامنا أيامها كان مشغولاً بأهداف أعلى وأسمى من ترف الوعي والتوعية!

انكسار الهزيمة كان لابد من معالجتها بأفلام من نوع (وانتصر الحب) و (مراهقة من الأرياف) و (طفل الخطيئة) و(أريد حلاً) للكبار فقط.

أما الأطفال مثلى فكان لابد أن نسمع حكايات الشاطر حسن.. وأمنا الغولة.. في الوقت الذي كانت اليهود يربون أبناءهم استعداداً للحرب!

الحديث عن النتائج الإيجابية للقنوات الفضائية الدينية ـ ليس كلها ـ بل المنضبطة بالشرع الحنيف المتبعة لعقيدة أهل السنة والجماعة.. لا يتسع له إلا دراسات الدكتوراه.. وعلى من يحاول حصد هذه النتائج أن يستعد لتفريع هذا المحصول الضخم إلى كل جوانب الحياة وفروعها.. حتى حديث العامة في المواصلات.. وحتى تأثيرها على حالة المرور.

فالجهود الإعلامية التي تقوم بها القنوات الفضائية؛ آثارها وثمارها لا يستهان بها في كل مجال.

وعلى سبيل المثال لا الحصر:

أولا: تساهم هذه القنوات في تزويد مستمعيها بجرعات روحية عالية: بما توجهه من مواعظ وتذكرة بالله تعالى و بالآخرة.. تخفف من طغيان المادة على النفوس وتهدئ من الصراع الشرس على المال والشهوات.. هذه الجرعة لها أثرها على شتى نواحي الحياة فمثلا:

على التنمية:- فالارتباط وثيق بين زيادة الإيمان وبين التنمية البشرية التي هي أساس كل تنمية؛ وهذه حقيقة ثابتة بالدراسات العلمية.

فالإيمان يؤسس حاسة العمل.

والإيمان ينشىء الرقابة الذاتية، ويقوى الضمير الإنساني الذي يحفز على مراقبة الله والإخلاص والتفاني في العمل والإنتاج.

والإيمان يعالج الإحباط وكافة الأمراض النفسية المعطلة لطاقة الإنسان.

على الأمن:- كلما زادت الجرعات الروحية التي تشبع حاجة الإنسان للأمن، وإحساسه بالاطمئنان في ظل قدرة الخالق سبحانه وعظمته وحفظه، كلما انخفض معدل الجريمة بل انخفض الميل إليها.

فالمؤمن الذي أشبع وجبته الروحية من مصدرها السليم إنسان واثق من حفظ ربه، متوكل عليه، منسجم مع ذاته، آمن في وجدانه، يأمن الناس شره ويستعيذ بالله يوميا من أن يجر أي نوع من السوء على أحد.

على مستوى الأخلاق والمعاملات:- فالجرعة الروحية ترقى مستوى المعاملة بين الناس فهي معاملات نابعة من مراعاة الله تعالى واليوم الآخر.

على الإدارة:- فالجرعة الروحية تضبط العاملين في الجهاز الإداري بتقوى الله تعالى فينحصر الفساد بكل صوره.

ثانياً : تنشر وتبنى العقيدة السليمة:- وهى عقيدة أهل السنة والجماعة.. المبنية على الفهم السليم للكتاب والسنة كما فهمها أئمة الأمة الأعلام الثقات. ولنشر العقيدة وبنائها وإحيائها في القلوب والعقول آثار هامة كما أن غياب هذا الجانب أمر خطير للغاية:

فما انتصر جنودنا في رمضان/ أكتوبر إلا بالإيمان والعقيدة السليمة التي كانت قوافل الأزهر تتولى بناءها في الجيش المصري كجزء من العقيدة القتالية.

بناء العقيدة السليمة يعنى تلقائيا هدم الخرافات والخزعبلات والبدع التي سيطرت على المجتمع المصري فترة من الزمن وقيدت كل محاولات التقدم.

بناء العقيدة السليمة تحصين ووقاية عظيمة وعصمة للمجتمعات من العقائد الفاسدة والمنحرفة.. مثل الشيعة والبهائية وعبدة الشيطان.. وغيرهم.

نشر العقيدة السليمة والدعوة لها نجح تماما في محاصرة عقيدة تكفير المجتمع وهجره والانعزال عنه واستحلال أموال أبنائه.. وهذا دور يحسب لهذه القنوات.

فلو انتشر هذا الفكر ـ لا قدر الله ـ لكان له خطر لا يمكن تداركه ولا التعامل معه ولا التحاور مع حامليه.

ثالثا:- المساهمة في تربية الشباب على الانتماء والولاء للأمة ولكل أصولها وجذورها: الدين والتاريخ واللغة والثقافة.. ولا يخفى أثر ذلك على اعتزاز الشباب بوطنه ورفض أي دعوة لخيانة الوطن أو أي نوع من الخيانة.. وكذا رفض دعوات ومحاولات التدخل الخارجي.

واعتقد أن هذا الدور الظاهر هو السر الأكبر في معاداة أعداء الأمة لهذه القنوات وفى تحريضها المستمر للحكومات عليها.. إذ أنها تمثل حائط صد يحول دون كل أشكال التدخل والغزو والاحتلال والاستعمار الجديد.

رابعا تربط الناس بالمجتمع وقضاياه ومشكلاته:- وخصوصا الاجتماعية منها.. وتتميز بأساس لهذا الربط وهو الربط على أساس الأخوة المأمور بها في الدين والأخلاق.. وهذا الربط الأخوي بين الناس خال من التحريض والغرض السياسي.. وهو كذلك الربط الداعي إلى التراحم والتعاون على حل المشكلات من خلال عدد من البرامج المهتمة بهموم الناس ومشكلات العامة.

ومن هنا تؤدى هذه القنوات دورا عظيماً مساندا للدولة في اتجاهين:

الأول:- تكوين روح التراحم والتآزر بين أفراد الشعب بدلاً من روح العداء والتنازع والصراع الذي له آثاره الوخيمة ولا تظهر ثمرة هذه الروح وهذا البناء للصف الداخلي.. إلا عند تعرض البلاد لمحاولات زرع الفتن والضغائن بين أبناء الأمة .

ولقد تبنت هذه القنوات هذه المهمة المكلف بها مؤسسات الدولة المعنية بها لكنها تراخت في الفترات الأخيرة مما أوقع بلادنا بين فكين.

إما مغرض مستغل للمشكلات الاجتماعية وموظفها لتمزيق أواصر المجتمع.

وإما مفرّط مهمل لا ينظر لخطر الوهن الداخلي في ظل التربص الخارجي.

الثاني:- مساندة الحكومة في حل المشكلات الاجتماعية معنويا وماديا أيضاً.. فللقنوات الفضائية مواقف قوية وحملات ناجحة لدعم الجهود الذاتية المشاركة في التنمية.

كما أن لها جهد مشكور وحملات إعلامية قوية لمحاربة المعضلات الاجتماعية التي تنخر في المجتمع.. مثل الإدمان والبطالة والثأر والتدخين والرشوة والفساد والإحباط.

سادسا جهود القنوات الفضائية في نشر الوعي الصحي والثقافة الطبية العامة ثمارها على المجتمع في غاية الوضوح ولها وقفتها في مواجهة الكوارث المرضية مثل مرض أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور والالتهاب الكبدي بأنواعه والسرطانات.. وهذه القنوات هي التي ابتكرت الحوار المباشر بين الطبيب والمريض.. وما يقال في الوعي الصحي فهو كذلك في كل نوع من الوعي الاجتماعي والاقتصادي والقانوني.

هذه القنوات هي التي انتشلت الشباب من مستنقع السخط العام والنقد والهدم ودفعت بهم إلى ساحة التفاعل والعمل والعطاء.. وأكبر مثال على ذلك المسابقات خصوصا مسابقات حفظ القرآن الكريم ومنابر المواهب الدعوية والخطابية والإنشادية وبرامج التدريب على المشروعات الصغيرة.. وكذلك برامج الدكتور حازم شومان التي تحارب الوهن والإحباط والتخاذل والاستسلام لأمراض الشباب.. وتدعو إلى الإقبال والعمل والجدية والإنتاج ويقظة الضمير.

هذه القنوات تنشر العلم الشرعي الصحيح.. وهذه هي أكبر وأرقى وسيلة لمحاربة جميع الأمراض والمشكلات الاجتماعية.. وأولها التعصب والطائفية.. ولذا فدورها عظيم في درء الخطر القادم من الخارج المحرك للفتنة الطائفية.

وإذا كانت هذه مجرد أمثلة على الدور الخطير الذي لا غنى عنه للقنوات الدينية الفضائية على المجتمع ككل.. فإن لها كذلك دور عظيم وأثر ملحوظ على العاملين فيها سواء العلماء أو الدعاة أو غيرهم وهؤلاء شريحة من المجتمع لا يستهان بها:

أخرجت الدعاة والعلماء والشباب والعاملين فيها من دائرة السر والغموض المخوف المشكك إلى فضاء العلن والإعلام والوضوح.

أوقفت العاملين فيها أمام مسؤولية الكلمة وخطورتها بعد أن طارت كلماتهم فضاء الكون ليسمعها العامي والعالم والمتخصص.

عّرضت المشايخ المحاطين بالغموض والإعجاب للنقد والحوار والاعتراض كما أظهرت بعض جوانب حياتهم الخاصة وفى ذلك عدة فوائد:

ضع الشيوخ على المحك وفى الامتحان فلا يستمر إلا الجدير بالاستمرار.

تضطرهم إلى مراجعة قناعاتهم خصوصا التي تتسم بنوع تشدد.

تكشف حقيقة الشيوخ بعيدًا عن ادعاءات الأتباع ومبالغاتهم وكذا عن اتهامهم ولمزهم؛فمن تبعهم تبعهم على دراية أو انفض عنهم.

أطلعت هؤلاء العاملين على الواقع ومشكلاته وتعقيداته.. وبالتالي لم يعد نقدهم خياليا ومطالبهم مثالية خيالية وتوجيهاتهم نظرية بعد أن تعاملوا مع الصعوبات التي يعج بها واقع الحياة.

أعطت هؤلاء الفرصة كاملة لعرض مساهمتهم واجتهاداتهم.. فلم يبق لهم ولا لغيرهم حق ادعاء حجبهم عن الناس وحرمانهم من حق الكلمة.

كشفت لهؤلاء عن مسؤولية الجماهير ومشاركتها في سوء الأحوال.. فلم تبق المسؤولية كلها على عاتق الدول والحكومات بل الشعوب شركاء.

هذه القنوات متنفس ديني وسياسي واجتماعي وثقافي وترويحي آمن آمن آمن للجماهير المتابعة لها من جهة.. وللعاملين من جهة أخرى.

هذه القنوات طريق واضح أمام النهج السلمي الدعوى للإصلاح.. وهو دليل على أن لهذا النهج وسائله الواضحة المسموح بها فهي بديل ناجح عن التغيير بالقوة، وكل نجاح لوسائل هذا النهج هو دعوة للشباب لسلوك هذا النهج.

كل هذه الثمار وأضعاف أضعافها ربما نغفل نحن عنها وربما لا يراها البعض ولا يبصر إلا بعض السلبيات التي لا يخلو منها عمل إنساني.. ولكن هذه الآثار مرصودة من غيرنا موضوعة في الميزان الحساس لدى المتربصين بالأمة.. وخصوصا الدول الحريصة على تصدير عقيدتها والدعوة لها ومحاربة مخالفيها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.