[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


أقول لك بوضوح إننى لم أكن أتصور أن ينتهى الأمر بهذه الطريقة، وكل ما كنت أحلم به أو بلغته أمنياتى أن تسقط هذه الحفنة التى أفسدت الحياة السياسية والاقتصادية المصرية، وأن يستيقظ الرئيس من طغيان الغرور، فيصلح ما أفسده هو من مواد الدستور، ويعيد للرأى العام مكانته فى معادلة السلطة، ويعلن بوضوح أنه لن يرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

> وأنت ربما تعرف أيضاً أننى تعاطفت كثيراً مع اختيار عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية، وسعدت بتولى الفريق أحمد شفيق رئاسة الوزراء، رغم الإحباط الهائل الذى ضرب قلبى كالرصاص بعد إعلان أسماء وزراء الحكومة على نحو لم يغيّر من الأمر شيئاً، وضاعف من غضبة الشارع وثورة ميدان التحرير.

> وأنت تعرف كذلك أننى تطلعت إلى هذا الحل (التفويض للنائب واعتكاف الرئيس والبدء فى إصلاحات مدنية) حذراً من أن تنقلب الأمور رأساً على عقب، أو تخرج معادلة التوازن بين الناس والسلطة إلى أبعاد حمقاء تتكرر فيها مأساة الأربعاء الدامى فى «موقعة الجمل»، فنخسر أرواحاً طاهرة أمام وجوه حمقاء دافعت عن مقاعدها وأموالها الحرام حتى آخر قطرة من دماء شعب مصر.

> أكرر عليك كل هذا رغم أنك صادفتنى، ربما، وأنا أكرره كثيراً فى كل ميدان، بما فيها ميدان التحرير نفسه، عبر حوارات مع شباب المتظاهرين الذين كانت أحلامهم أكبر وأوسع وإرادتهم فى التغيير- أياً كانت عواقبه- أصلب وأشد. أكرر ذلك الآن ونحن نحتفل بنشوة تحقيق الحلم حتى تتأمل ميثاق الحب والكراهية الذى أعلنه لك الآن، بعد أن تبدلت الأرض ومن عليها، وأعز الله من شاء، وأذل من شاء جل فى علاه.

هذا ميثاقى الخاص بعد ثمانية عشر يوماً من الثورة، وهذا ميثاقى الخاص بعد أن رأيت بعينى قلوبا تتبدل، وضمائر تباع، ومواقف تتحول بلا خجل، فيما شباب هذا البلد فى الميدان لا يخشون فى حب هذا البلد لومة لائم، ولا يترددون فى التضحية بدمائهم من أجل موقف واحد لم يتزحزح أبداً.

> أقول لك كرهت من كل قلبى زملاء فى هذه المهنة، كانوا قبل أيام من تنحى الرئيس مبارك يطالبون السُلطة بأن تضرب بيد من حديد هؤلاء المتظاهرين الثوار فى ميدان التحرير، ثم بعد أن تنحى الرئيس لبسوا وجهاً آخر غير هذا الذى عاشوا به فى أحضان السلطة والنفوذ، وقفزوا إلى الهواء فرحاً بالانتصار، وبصقوا على هذا الوجه الرئاسى العجوز الذى كانوا يلعقون حذاءه ليلاً ونهاراً.

> كرهت من كل قلبى زملاء لى فى هذه المهنة أكلوا على مائدة مبارك، وشربوا من مائه، ونعموا فى حدائق عطاياه الفاسدة، ثم خرجوا يلعنون أجداده وأبناءه وأحفاده وذريته حين أعز الله أقواما وأذل آخرين، وحين تحالف قدر الله مع إرادة هؤلاء الذين اعتصموا ليالى باردة فى ميدان التحرير، وتحققت على أيديهم أحلام أبعد من الخيال، وانتصارات لم تخطر على بال، ولم ترد على قلب بشر.

> كرهت من كل قلبى منطق (القرابين السريعة) الذى استخدمه الرئيس المخلوع حين قدّم أخلص رجاله وأحبهم إلى قلبه وقوداً للنار المشتعلة بين الناس، فأصبح رشيد محمد رشيد متهماً بالإثم الأعظم بعد أن كان قديس السلطة الأول وابنها البار، وأصبح أحمد المغربى هو الفاسد الأكبر بعد أن كان بطل مزادات الأراضى، والذى أنقذ وزارة الإسكان من فوضى التخصيص، وملأ خزائن الدولة بالمليارات، وأصبح يوسف بطرس غالى هو كرة النار التى جرت فى حقول القمح الشابة فى ميدان التحرير رغم أن الدولة بكاملها، وعلى رأسها الرئيس مبارك، ساندته فى قانون الضرائب العقارية، وفى سياساته المالية، واعتبرته رمزاً تتشرف به أمام العالم بعد منصب صندوق النقد الدولى.

> كرهت رجالاً من نجوم الميديا التليفزيونية كانوا يشغلون مناصب كبرى داخل الحزب الوطنى الديمقراطى، وشاركوا فى شلل الحزب الداخلى بين الحرس القديم والحرس الجديد، ولعبوا لسنوات طويلة دور الغضاريف التى تحمى من الاحتكاك بين الصحفيين والإعلاميين من جهة، والحزب من جهة أخرى، وسوقوا السم كما هو بيننا، ثم حينما تفجرت براكين الغضب رأيتهم يبدّلون قناع الزيف بزيف جديد، ويبكون كالتماسيح على رؤوس الأشهاد، وكأنهم فقدوا شهيداً فى الثورة، أو كأنهم فقدوا ابنا كعائلة خالد سعيد أو سيد بلال، أو حاربوا الظلم على سلالم نقابة الصحفيين، أو فى مظاهرات الجامعة. كان هؤلاء يسخرون من سلم النقابة، ويسخرون من اعتصامات الناس على الأرصفة، ثم تحولوا فجأة ثواراً أوفياء للعهد الجديد.

> كرهت هذه الأحزاب ضيقة الأفق التى فقدت خط التواصل مع جيل الثورة الجديد منذ اللحظة الأولى، كان الشباب من كوكب الزهرة، وكان عجائز الحركة الحزبية ومنافقوها من كوكب عطارد، وكان الشباب يحملون رومانسية الحلم بين ضلوعهم، ولا تحركهم سوى ضمائرهم، وكان العجائز يحملون عفن الصفقات الخاصة، ويتكلمون فى الغرف المغلقة ما لا يستطيعون النطق به فى العلن، يقولون للثائرين فى الميدان نحن معكم إلى النفس الأخير، ثم إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنما نحن مستهزئون.

> كرهت هذا الأحمق الذى كتب الخطاب الأخير للرئيس المخلوع، كرهته من كل قلبى، فهذا الرجل كان يكره مبارك ويكره الشعب معاً، وهذا الرجل أعمى البصيرة أفسد الصيغة المدنية فى معادلة (سليمان وشفيق) مع انتقال مدنى للسلطة، هذا الرجل الجاهل الذى كتب هذه الكلمات الجنزيرية زرع كراهية مبارك حتى فى القلوب التى تعاطفت معه بعد الخطاب الثانى الذى طلب فيه أن يدفن فى أرض مصر، وأعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.

> كرهت البغال والحمير والجمال، من باعوها، ومن ركبوها، ومن تآمروا بها على أحلام الناس، ومن دفعها إلى ميدان القتال الآثم عند أطراف عبدالمنعم رياض.

أما عن بنود الحب فى هذا الميثاق..
> أحببت ميدان التحرير نهاراً حين يعلو صوت الإرادة جباراً ليزلزل عرش الحكم، وأحببته ليلاً حين تسهر الأحلام على أطراف الميدان تغنى لمصر من القلب، غناء سمعناه كثيراً، ولكنه بدا مثل ثمرة طازجة نقطفها للمرة الأولى، غناء كعروس البحر، تغازل خيال هؤلاء البحارة فى رحلتهم إلى أرض الحرية.

> أحببت العجائز الذين افترشوا الأرض عند أطراف الميدان، جاءوا بأحلام صغيرة لبيع بضاعتهم المتواضعة للمعتصمين، فوجدوا أنفسهم أمام حلم أعظم شاء لهم الله أن يروه بعد سنوات صبر موجعة، هؤلاء العجائز الفقراء فرحوا كما لم يفرحوا من قبل حين صاروا هم والثورة جسدا واحدا، وهم والحلم روحاً واحدة.

> أحببت هذه التحية العسكرية النبيلة التى أداها اللواء محسن الفنجرى، المتحدث باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لشهدائنا فى الثورة، وعرفت حينها معنى أن تكون الدماء هى وقود الثورة، وأن تكون أرواح الشهداء هى عنوان التغيير، قرأت ذلك كثيراً فى تراث الثورات التاريخية لكننى لم أعرفه أبداً سوى فى هذه اللحظة.

> أحببت خالد سعيد وسيد بلال، هذين الشهيدين اللذين حرّكت دماؤهما إخوانا لهما فى الوطن يهتفون باسميهما، ويحملون راياتهما، ويتمنى كل منهم أن يكون خالد سعيد أو سيد بلال، وأحببت السيدة ليلى والدة خالد سعيد حين أعلنت أنها ستخلع اللون الأسود لترتدى ألوان الفرح بعد أن حققت روح خالد سعيد هذا الانتصار الكبير لشعب مصر، هذا الانتصار الشعبى الذى لم يحلم به أحد، ولم يتوقعه أحد.

> أحببت أول مائة شاب خرجوا من ميدان التحرير نحو قصر الرئاسة بعد ثوان من نهاية الخطاب الجنزيرى الأخير للرئيس السابق، أحببتهم بقدر خوفى عليهم، وخفت عليهم بقدر حبى لهم، وأدركت بعد أن وصلوا إلى حدود القصر أن الله أراد شيئاً لهذا البلد أكثر من خيالنا جميعاً، فلو تواعدوا لاختلفوا فى الميعاد، لكن الله قدر ذلك.

> أحببت الأعلام المصرية التى ارتفعت فى مكان آخر غير استاد القاهرة، وأحببت الآباء والأمهات الذين حملوا أطفالهم الرضع إلى الميدان لينعموا بلحظات غير مسبوقة فى تاريخ هذا البلد منذ عصر ما قبل الأسر الفرعونية وحتى الألفية الثالثة، وأحببت جنود القوات المسلحة الذين صلّوا على أرض الميدان جنباً إلى جنب مع المتظاهرين، وأحببت المستشفيات الميدانية، وحملات التبرع بالدم، واللجان الشعبية التى حمت الشوارع والطرقات من العدوان بعد المؤامرة الآثمة والوقحة من وزير الداخلية المخلوع.

> الآن أقول لكم إننى أعيد الاعتبار للشعار الذى استخدمه الحزب الوطنى فى الانتخابات المزورة فى 2010، كان الحزب يقول (علشان تطمن على مستقبل ولادك) فزوّر الانتخابات، وهدد مستقبل الآباء والأولاد معاً، أما الآن وبعد سقوط الحزب والنظام فإننى أشعر فعلاً بأننى مطمئن على مستقبل أولادى.